كلمة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيد إدريس اليزمي
في اللقاء الدراسي حول:
القانون الجنائي والسياسة الجنائية: فلسفة المشرع وواقع التنفيذ
المنظم من لدن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب
يوم الثلاثاء 8 ماي 2018
السيد رئيس مجلس النواب
السيد رئيس مجلس المستشارين
السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان
السيد وزير العدل
السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
السيد رئيس النيابة العامة
السادة رؤساء الفرق البرلمانية بغرفتي البرلمان
السيد رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب
السيد رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين
السادة النواب والمستشارون البرلمانيون
السادة ممثلو الجمعيات الحقوقية
أيها السيدات والسادة
يسعدني أن أتناول الكلمة في افتتاح هذا اللقاء الدراسي الذي ينظمه فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب. ولا يفوتني أن أشكر المنظمين على دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمشاركة في هذا اللقاء وعلى المبادرة إلى تنظيمه.
إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يولي اهتماما خاصا للتشريع الجنائي، بوجه عام، وللقانون الجنائي على وجه الخصوص. ويعود هذا الاهتمام بالطبع إلى المهام الموكولة إلى المجلس في نطاق حماية حقوق الإنسان والنهوض بها من جهة، وإلى المكانة التي يحتلها القانون الجنائي ضمن المنظومة القانونية واتصاله الوثيق بالحقوق والحريات، من جهة أخرى.
فهذا القانون يستمد أهميته، كما لا يخفى عليكم من كَوْنِه يقع في مِفْصَل الحقوق والحريات ويحدد، من خلال فصله الصارم بين المُباح والمحظور، ِزدْ على ذلك أنه يعتبر، للأسباب المذكورة، بمثابة موجه للسلوك الاجتماعي.
ومما يُبْرِز أهميةَ هذا القانون ومكانتَه كَوْنُ الدستور يتضمن جزءا أساسيا من مبادئه وقواعده الأساسية ويرسم توجهاته العامة، من جهة، والحيز الهام الذي يحظى به، من جهة ثانية، ضمن النقاش العمومي حول حماية الحقوق والحريات والنهوض بها، وحول إصلاح منظومة العدالة والارتقاء بها.
ويشير المجلس بهذا الخصوص، أن آفاق المراجعة الشاملة للتشريع الجنائي (المادي والمسطري) ينبغي اعتبارها على ضوء المتطلبات والفرص التالية:
• الدستور ولاسيما التصدير والفصول 20، 22، 23 وكذا الباب السابع منه المتعلق بالسلطة القضائية؛
• توسيع الممارسة الاتفاقية للمغرب (الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة)؛
• التوافق الواسع حول توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وخاصة منها تلك المتعلقة بالهدف الاستراتيجي الثالث المعنون "تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات" ؛
• التطورات الدولية الأخيرة لصالح أنظمة جنائية وطنية ناجعة، منصفة، إنسانية، و مسؤولة، و خاصة إعلان سالفادور حول الاستراتيجيات الشاملة للتحديات العالمية (مؤتمر الأمم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة و العدالة الجنائية، 2010) و كـذا مشروع إعـلان الـدوحة حول "إدماج منع الجريمة والعدالة الجنائية في جدول أعمال الأمم المتحدة الأوسع من أجل التصدِّي للتحدِّيات الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي ومشاركة الجمهور" (مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة و العدالة الجنائية، 2015).
وتبعا لذلك، فإن المجلس يواكب مسار هذا القانون ويتتبع مسار تطبيقاته المختلفة بارتباط مع السياسة الجنائية، ومع التحولات القوية والمتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي. فتطبيق هذا القانون هو الذي يبرز مدى مسايرته لتطور المجتمع ولقيمه والعلاقات المتجددة باستمرار، ويكشف بالتالي عن درجة توتر علاقاته مع هذا المجتمع ككل، ومع أفراده.
وإن المجلس يواكب، للاعتبارات المذكورة، جميع مبادرات تعديل هذا القانون وتتميمه، ويدلي برأيه بخصوصها. وينطلق المجلس بالطبع في هذا المجال من مقتضيات دستور 2011، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتوصيات الموجهة لبلادنا من لدن أجهزة الأمم المتحدة، والاجتهاد القضائي الدولي والأجنبي، والممارسات الفضلى عبر العالم.
كما ينطلق، فيما يتعلق بالتجريم من التحولات العميقة التي يعرفها مجتمعنا على مستوى ثقافة حقوق الإنسان، وتطور أنماط العلاقات بين الأفراد، والحريات الفردية، وتصور المُواطِنة والمُواطِن للحرية.
وفيما يتعلق بالعقاب، فإن المجلس يأخذ بعين الاعتبار التطور الدولي الهام في مجال العقوبة وأنواعها وترشيدهاوضَبْطِ تَنَاسُبِها مع الأفعال الإجرامية،وتقييدها بحدود فعاليتها. كما يستحضر أثر العقوبات السالبة للحرية على الفرد والمجتمع، ودرجة انتشار حالة العَوْد (cas de récidive).
ويستثمر المجلس الوطني لحقوق الإنسان فرصة انعقاد هذا اليوم الدراسي الهام للتذكير بما يعتبره أولويات في مناقشة مشروع القانون 10.16:
• إلغاء عقوبة الإعدام.
• مراجعة تعريف التعذيب المنصوص عليه في الفصل 231.1 من القانون الجنائي ومطابقته مع التعريف المنصوص عليه في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، من أجل إدراج المحاولة والمشاركة وإدراج مفهوم "أي شخص يتصرف بصفته الرسمية".
• إضافة مقتضى جديد في مشروع القانون يتمثل في عدم الاعتداد بأي ظرف استثنائي أو تعليمات أو أوامر صادرة عن أية سلطة عمومية مدنية أو عسكرية من أجل تبرير ارتكاب جريمة التعذيب.
• إدراج أسباب جديدة للتمييز المعاقب عليه في القانون الجنائي، خاصة: الوضعية الصحية الحالية أو المستقبلية، المعتقد، الثقافة، الحمل، الشكل الفيزيائي، الهشاشة الناتجة عن وضعية اقتصادية ظاهرة أو معروفة، الخصائص الجينية، الاسم العائلي، مكان الإقامة، السن، الميل الجنسي أو هوية النوع.
• توسيع نطاق تجريم التمييز ليشمل رفض تقديم سلع أو خدمات أو الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص في وضعية إعاقة؛
• إدراج عقوبات من أجل التحريض العلني على العنصرية، الكراهية وعلى التمييز.
وعلى العموم، فبخصوص مشروع القانون رقم 16.10، فقد بلور المجلس رأيا تفصيليا يُوجَدُ بموقعه الإلكتروني.
إن المجلس، يدعو بوجه عام إلى إعادة النظر بكيفية شاملة في منظومة التجريم والعقاب، فَلْسَفةً وبنيةً ولغةً ومقتضياتٍ، في اتجاه استحضار روح الدستور ومراعاة تحولات المجتمع المغربي، ويوصي بتدقيق التناسب بين الجريمة والعقوبة، وبإلغاء عقوبة الإعدام، وإقرار بدائل الاعتقال والعقوبة.
وتجدر الإشارة في الأخير، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يعتبر مناقشة مشروع القانون 10.16 فرصة للتذكير ببعض مقترحاته المتعلقة بمقتضيات القانون الجنائي الخاصة بمكافحة العنف ضد النساء، والتي لم يتم الأخذ بها في القانون 103.13، ويعتبر أن من المناسب التذكير ببعضها:
إعادة تعريف جريمة الاغتصاب المنصوص عليها في الفصل 486 من القانون الجنائي من أجل إدراج الاغتصاب الزوجي ضمنها، وإعادة تصنيف جريمة الاغتصاب ضمن الجنايات ضد الأشخاص عوض إبقائها ضمن الجنايات والجنح ضد الأشخاص.
حذف الافتضاض المنصوص عليه كظرف تشديد في الفصل 488 وكذا الفصل 490 لكون الفصل المذكور يشكل عائقا موضوعيا أمام الضحايا من أجل وضع شكايات الاغتصاب؛
حذف الفصل 418 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه " يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية"؛
إدراج مادة جديدة 296.1 في قانون المسطرة الجنائية تضع عبء إثبات عدم التحرش، في حال التحرش المنصوص عليه في الفصل 503.1 من القانون الجنائي، على المتهم عندما تكون له سلطة على الضحية في المجالين المهني أو المدرسي.
وإن المجلس لَعَلَى يَقين أن المناقشات التي سيعرفها هذا اللقاء الدراسي ستساهم في إثارة مختلف الإشكالات التي يطرحها القانون الجنائي المطبق حاليا وفي اقتراح سبل معالجتها وتجاوزها.
وفي الختام، أتمنى لأشغال هذا اللقاء الدراسي كامل التوفيق.
والســــــــــلام عــــلـــيــكم
Comments
Post a Comment