Skip to main content

صلاحية النيابة العامة للطعن بالاستئناف في الميدان المدني


صلاحية النيابة العامة للطعن
بالاستئناف في  الميدان المدني

لن أتعرض في هذا التعليق لموضوع الحكم وأسبابه التي تبدو فعلا قابلة للمناقشة، في صياغتها وسندها.وانما اقتصر على تناول :
        ·صلاحية النيابة العامة لاستئناف الحكم الابتدائي.
        ·الطعن الذي كان يمكن ان يستعمل ضد الحكم.
 أولا : ـ صلاحية النيابة العامة للاستئناف
يقول الحكم موضوع التعليق: " حيث استانف بتاريخ 11/2/87 السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالعرائش، الحكم الصادر بتاريخ 10/9/86، والقاضي بابطال الطلاق الصادر من المدعي بتاريخ 27/11/85، لوقوعه في حالة الغضب، وتحميله الصائر، ذلك الحكم الذي بلغ للنيابة العامة بتاريخ 10/2/1987. الحكم المذكور اعتبر النيابة العامة طرفا اساسيا في النازلة لكونها اصدر الحكم ضدها.
ومن المقرر فقها، انه عندما تكون النيابة العامة طرفا اصليا في الدعوى، يمكنها ان تستعمل جميع طرق الطعن المسموح بها للخصوم وبذلك يكون الاستئناف واقعا على الصفة والشكل المطابقين للقانون".
 هذا هو التعليل الذي اعتمدته المحكمة لقبول استئناف النيابة العامة. فهل يتفق مع نصوص ق م م؟
 تنص المواد 6 و7 و8 من ق م م على ما يلي :
المادة 6: " يمكن للنيابة العامة ان تكون طرفا رئيسيا او ان تتدخل كطرف منضم، وتمثل الاغيار في الحالة التي ينص عليها القانون".
المادة 7: " يحق للنيابة العامة استعمال كل طرق الطعن عدا التعرض عندما تتدخل تلقائيا مدعية او مدعى عليها في الاحوال المحددة بمقتضى القانون".
المادة 8: " تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يامر القانون بتبليغها اليها، وكذا في الحالات التي تطلب النيابة العامة التدخل فيها بعد اطلاعها على الملف، او عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي. ولا يحق لها في هذه الاحوال استعمال أي طريق للطعن".
 لا يبدو الموضوع في حاجة الى تحليل واطالة المناقشة، فالذي تقرره هذه النصوص بصريح العبارة هو:
أ‌-    اكتساب النيابة العامة صفة " طرف رئيسي" في الدعوى امر يحدده القانون والقانون وحده.
ب‌- عندما لا تكون النيابة العامة " طرفا رئيسيا" في الدعوى، لا يحق لها ان تستعمل أي طريق من طرق الطعن.  فهل يوجد نص قانوني يجعل النيابة العامة طرفا رئيسيا في دعوى الطلاق ؟
لعل من المؤكد ان مثل هذا النص لا وجود له، كل ما في المسطرة المدنية هو المادة 9 التي تامر بتبليغ النيابة العامة : القضايا المتعلقة بالنظام العام. والقضايا المتعلقة بالاحوال الشخصية.
 والمادة الثامنة السالفة الذكر تؤكد بعبارة صريحة ان القضايا التي يامر القانون بتبليغها الى النيابة العامة، تعتبر فيها هذه الاخيرة مجرد طرف منضم. وهي بهذه الصفة لا يحق لها استعمال أي طريق من طرق الطعن.
 هكذا يتضح بجلاء ان النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالعرائش لا تملك، قانونا، استئناف الحكم الصادر في دعوى ابطال الطلاق. والحكم الاستئنافي اغفل الاشارة الى نصوص المسطرة التي أوردناها، وعوض ذلك قال ان الحكم المستانف" اعتبر النيابة العامة طرفا اساسيا في النازلة".
 لكن مما لا جدال فيه ان صفة النيابة العامة في القضايا التي تعرض امام القضاء، يستقل القانون بتحديدها ولا صلاحية لغيره فيها، وان يكن هذا الغير هو المحكمة او النيابة العامة ذاتها.
 ومن ناحية ثانية عندما اعتبرت المحكمة خطا ان النيابة العامة طرف رئيسي في الدعوى - كان عليها وفقا لرأيها هذا، ان تقضي ببطلان الحكم والمسطرة للاخلال بالقواعد الأساسية للمسطرة التي أضرت بأحد الأطراف، وهو النيابة العامة، وتطبيقا للمادة الرابعة من قانون التنظيم القضائي، والمادة العاشرة من قانون المسطرة المدنية اللتين تفرضان حضور النيابة العامة، بينما الحكم المستانف لم يصدر بمحضرها واكتفى بتبليغه إياها يوم 10/2/87.
 ثانيا : الطعن الذي كان يمكن ان يستعمل ضد الحكم :
إذا كانت النيابة العامة بصريح المادة 8 م. م مجرد طرف منضم وانه لذلك لا صلاحية لها في الطعن بالاستئناف. وإذا كان الطرفان المعنيان وهما المدعي والمدعى عليه ( المطلق والمطلقة) لم يتقدم أي منهما بالطعن. فان الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها تدارك ما قد يكون في الحكم من خطا هي الاحالة على المجلس الاعلى طبقا للمادة 382 م م التي تقول: " يمكن لوزير العدل ان يامر الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى بان يحيل على هذا المجلس، بقصد الغاء الاحكام التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم ..".  فهل توافرت شروط تطبيق هذا النص الحكم الصادر عن ابتدائية العرائش في القضية موضوع المناقشة ؟ قبل الجواب عن السؤال، أود ان أشير إلى ضرورة التمييز بين أمرين:
أ‌-    إمكانية وجود عيب ما في الحكم، كالمجادلة في اكتفائه بالشهادة الطبية لاثبات حالة الغضب المؤثرة على نفاذ الطلاق. ان هذا لا يهمنا في هذا التعليق لأننا لسنا بصدد الدفاع عن الحكم او تبرير منطوقه.
ب‌- إمكانية وجود العيب الذي تنطبق عليه المادة 382 م م وبالتالي قابلية احالته على المجلس الأعلى، وهذا ما يهمنا، ونقصد الى مناقشته، ولكن في حدود ما عرضه الحكم الاستئنافي، لاننا لا نتوفر على نسخة الحكم الابتدائي.
 بالرجوع الى المادة 382 م م يتبين ان المشرع اراد ان يترك للمتقاضين انفسهم امر التظلم من الاحكام التي قد لا تطبق القانون تطبيقا سليما، على اعتبار ان ذلك يهم مصالحهم المدنية قبل المساس بالنظام القانوني الذي يهم المجتمع، ولذلك قصر الاحالة على المجلس الاعلى بقصد الإلغاء، على الاحكام التي " يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم".(1)  ومهما اعطي من مفهوم واسع لهذه العبارة فانها لا تشمل كل مخالفة قانونية تستوجب النقض في الاحوال العادية. فتجاوز السلطة يعني الخروج عن الصلاحية او الولاية التي يحددها القانون للقاضي، ولا يعتبر تجاوزا للسلطة مجرد مخالفة نص قانوني موضوعي، او خرق قاعدة مسطرية، أيا كانت اهمية النص القانوني او القاعدة المسطرية، اللهم اذا كان في المخالفة او الخرق ما يحقق معنى التجاوز والخروج عن الصلاحية والاختصاص القانونيين.
 والعيوب التي لاحظتها محكمة الاستئناف هل تشكل تجاوزا للسلطة ؟
حسب الحكم الاستئنافي تكون الأخطاء الواردة في الحكم الابتدائي هي:
        ·اعتماد الشهادة الطبية وتصريح الزوجة، وابعاد ما ورد في وثيقة الطلاق من ان المطلق كان " باتمه".
        ·تقديم البينة النافية على المثبتة.
        ·مخالفة نص قطعي.
        ·فهل في هذه " المخالفات" تجاوز المحكمة لسلطاتها ؟
       
بالنسبة للنقطة الاولى يبدو ان الآمر لا يتعلق حتى بخرق لقوة إثبات مقررة بحكم القانون، فوسائل الاثبات المشار اليها في الحكم تخضع في قيمتها الاثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة. (2)
   وبالنسبة للنقطة الثانية، قاعدة تقديم البينة المثبتة على النافية ليست مطلقة كما يقول التسولي الذي يضيف انه اذا شهد شهود " انه كان به الذهول" في الوقت الذي شهد عليه اخرون لصحة عقله، واخذ بشهادة الذهول " لان الذهول يخفى على قوم ويظهر لآخرين، فمن قطع بعلمه فهو أحق بالقبول". (3)
   أما النقطة الثالثة فلم يبين الحكم النص القطعي الذي خالفته المحكمة الابتدائية بقضائها بعدم نفاذ الطلاق الصادر وقت الغضب الشديد بناء على اقتناعها بوسائل الإثبات المقدمة أمامها. (4)
        يتبين من هذا انه من الصعب القول بان المحكمة الابتدائية تجاوزت سلطاتها بهذه " المخالفات" التي عرضها الحكم الاستئنافي، مع التاكيد مرة أخرى أننا لا نناقش ما إذا كان الحكم الابتدائي سليما أو غير سليم في حد ذاته، وانما تناولناه فقط من زاوية ما واخذه به الحكم الاستئنافي وفي اطار شروط الاحالة المنصوص عليها في المادة 382 م. م. وانه لذلك يبقى حكم ابتدائية العرائش قابلا للاحالة على المجلس الاعلى الذي له وحده صلاحية تقرير وجود او عدم وجود تجاوز القاضي لسلطاته القانونية، بعد اطلاعه على نسخة الحكم ومستندات الملف.
 وبعد :
فان حكم ابتدائية العرائش صدر بين مدع ومدعى عليها، وهما المطلق والمطلقة اللذان لم يطعنا فيه، والنيابة العامة تعتبر مجرد طرف منضم فيه، وهي لذلك لا تملك حق الطعن فيه بالاستئناف.
 وكل ما يمكنها ان تفعله اذا اتسم الحكم بتجاوز للسلطة ان تبلغ الامر الى وزير العدل الذي يخوله القانون صلاحية الاحالة على المجلس الاعلى طبق المادة 382 م م. (5) اما الحكم الاستئنافي فهو الذي يبدو فيه " تجاوز السلطة" واضحا، وتحققت فيه مخالفة القانون بقبول استئناف النيابة العامة كطرف منضم خرقا للمادة الثامنة من المسطرة.
وباعتباره حكما انتهائيا، فان الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى هو الذي له حق احالته على المجلس بمقتضى المادة 381 م.م. وانه لذلك يبقى حكم ابتدائية العرائش قابلا للاحالة على المجلس الاعلى الذي له وحده صلاحية تقرير وجود او عدم وجود تجاوز القاضي لسلطاته القانونية، بعد اطلاعه على نسخة الحكم ومستندات الملف.
        وسواء تمت هذه الإحالة او لم تتم، فان الحكم الاستئنافي يبقى سابقة قضائية، مست مبادئ أساسية في التنظيم القضائي ذاته، ونعني بذلك مركز النيابة العامة في هذا التنظيم، وشرعية رقابة أحكام القضاء وتعقبها من طرف المحاكم الاعلى درجة.
 قد يكون حكم ابتدائية العرائش ارتكب خطا قضائيا، وفتح بابا يصعب سده أمام السفهاء والمتلاعبين بقدسية العلاقة الزوجية. وقد يكون كذلك مناسبة لإعادة النظر في مركز ودور النيابة العامة إزاء القضايا المدنية التي تمس النظام العام، وفي رقابة المجلس الأعلى.
 للأخطاء القضائية عن طريق الإحالة حتى لا تبقى قاصرة على حالة " تجاوز القضاة لسلطاتهم". ولكن الذي لا يبدو سليما حسب اعتقادنا - إصلاح خطا قضائي بخرق نصوص التنظيم القضائي ذاته، اذ في هذه الحالة نكون كما يقول الفقهاء أمام عملية " غسل دم بدم" ..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والمادة 382 تتعلق بالاحكام غير النهائية التي لم يطعن فيها الأطراف، أما الاحكام النهائية فقد تعرضت لها المادة 381 م. م التي تقول: "إذا علم الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى، انه صدر حكم انتهائي على وجه مخالف للقانون او لقواعد المسطرة ولم يتقدم احد من الاطراف بطلب نقضه في الاجل المقرر فانه يحيله على المجلس .". ويلاحظ ان المشرع توسع في الاحالة بالنسبة للاحكام النهائية، بالمقارنة مع الاحكام غير النهائية، لان هذه الاخيرة من النادر ان لا يطعن فيها الاطراف بالتعرض او الاستئناف
(2) لا يقال شهادة العدلين بالاتمية تتمتع بالحجية المطلقة، لتعلقها بواقعة حدثت امام الموثقين اثناء قيامهما بمهمتها.
فالواقع ان " الاتمية" ليست واقعة مادية حدثت امام العدلين، وشاهداها، وانما هي " استنتاج" من " الحالة الظاهرة" للمطلق. ومن المعلوم ان ما يستنتجه محرر الورقة الرسمية من الوقائع التي تعرض أمامه اثناء التحرير، لا يكتسب صفة البيانات الرسمية التي يضفي عليها القانون قوة إثباتية قاطعة، وانما يخضع في تقييم قوته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة التي تعتمد بالخصوص الوقائع التي اعتمدها المحرر في استنتاجه.
فالاتمية تفيد كما يقول الحكم الطوع، والرشد ( الى جانب صحة العقل) ومن المعلوم به فقها، ان من صدر منه تصرف او اشهاد، وذكر العدلان انه " باتمه" يمكنه ان يثبت انتفاء اختياره في صدور التصرف او الإشهاد، ولا يحتاج الى الطعن بالزور في عبارة " بأتمه" التي كتبها العدلان، وكذلك الأمر اذا لم يعتمد العدلان وثيقة رسمية في تحديد سن المشهود عليه، حيث يحق له ان يثبت عدم بلوغه سن الرشد القانوني دون ضرورة الطعن بالزور أيضا.
وكل هذا، إذا سلمنا بان الغضب الذي يؤثر على نفاذ الطلاق يشترط ان يتحقق معه " فقدان صحة العقل" مع ان هذا قابل للمناقشة سواء من حيث المبدا، او من حيث تحديد مفهوم " صحة العقل" الذي تفيده عبارة " باتمه".
(3) البهجة ج. 1 ص 147 و148.
هذا، ويبدو ان محكمة الاستئناف تكلفت في اثارة مسالة التعارض، فالواقع انه لا وجود له لان الشهادة الطبية كما يقول الحكم تشهد بان المعني بالأمر تنتابه نوبات عصبية خلال الشهر الذي اصدر فيه الطلاق، فهي لا تنص بالتحديد على وقت صدور الطلاق منه أمام العدلين. واذا لم يتحد الوقت بين الشهادتين انتفى التعارض قطعا.
(4) وغير مفهوم ما جاء في الحكم.
" اذ الغضب مهما اشتدت حالته، فان مفعوله لا يمكنه ان يمتد وبأثر مستمر لمدة لا تقل عن سبعة اشهر ...".
فالغضب المؤثر حسب المادة 49 م. ح. ش. يكفي ان يكون قائما وقت إصدار الطلاق، ولم يشترط القانون امتداده في الزمن لا لوقت قصير، ولا لسبعة اشهر، ولا لإقامة دعوى الإبطال.
(5) وهي إمكانية ما تزال قائمة، لان الإحالة غير محددة بفترة معينة، ولان كلا من استئناف النيابة العامة، والحكم الاستئنافي لم يغير من الأمر شيئا لإنجازهما خارج المقتضيات القانونية المنظمة لدور النيابة العامة كطرف منضم، ولولاية محكمة الاستئناف إزاء الأحكام الابتدائية.
 الدكتور احمد الخمليشي
أستاذ بكلية الحقوق الرباط
 مجلة المحاكم المغربية، عدد 51، ص 73



Comments

Popular posts from this blog

طرد المحتل من العقار المحفظ

من التطبيقات  المهمة  في  القضاء  المغربي  لطرد  المحتل  , نجد  الطلبات  التي  ترفع  بكثرة  إلى قاضي  المستعجلات  والتي  يروم  من  خلالها  الأطراف  رفع  الضرر الحال  والذي  يكتسي  صبغة الاستعجال , وذلك  بالمطالبة  بطرد  المحتل  للعقار  المحفظ  الذي  لم  يسجل  سند  احتلاله  في  الرسم  العقاري . والتوجه  القضائي  الغالب يذهب  في اتجاه ترسيخ  الحماية  التي  يضفيها  الرسم  العقاري  على  العقار , حيث غالبا  ما  يستجيب  القضاء  الاستعجالي  المغربي  للطلبات  الرامية  إلى  طرد  محتل  من  العقار  المحفظ  في  حالة  غياب  السند أو  حتى  عند  تواجده  غير  أنه غير  مسجل  في السجل العقاري ,  وذلك  كلما  عززت  الطلبات  المذكورة...

حول الشهادة الإدارية المتعلقة بالعقارات غير المحفظة

التصرف في مال مشترك بسوء نية -قرار محكمة النقض